أولئك منذ زمن طويل ولي ارتباط مباشر أو غير مباشر فيما يسمى المؤسسات غير الحكومية (NGOs)، وتجربة لا أنساها بتأسيس مركز الدراسات السعودية في واشنطن، وألاحظ حرصا كبيرا من سيدات المجتمع السعودي على هذا النوع من المؤسسات التي تلامس حاجة ماسة لفئة من أبناء الشعب وعادة ما تنطلق من دوافع شخصية لدى تلك السيدات. ما يجمعهن في تلك المحاولات هو الإصرار على تقديم خدمة من خلال تلك المؤسسات مع ضيق ذات اليد وتردد القطاع الخاص في الدعم وتوزع المسؤولية بين عدة جهات حكومية فلا يدرون أي باب يطرقون، ومع ذلك يتواصل العمل دون أن تؤثر الاحباطات المتوالية على عزائم السيدات اللاتي اعتبرهن قدوة ومثالا لاتخطئه الملاحظة في التعبير عن مستوى المرأة السعودية وحبها للخير.
أذكر الأميرة سميرة الفيصل عندما بدأت جهودها في مجال خدمة الأطفال التوحديين وأسرهم، وكيف عانت ولكنها لم تيأس ولم تتوقف عن مواصلة مشوارها حتى خرجت لنا عدة مؤسسات غير حكومية وجمعيات تهتم بأطفال التوحد وأسرهم، وحركت بمفردها ثم بالتفاف بعض الأسر حولها ومساعدة بعض المسؤولين وقبل ذلك وبعده توفيق الله لها مؤسسات الدولة لتدرك حجم ونسبة الإصابات بهذا المرض في المجتمع السعودي وكلفة التعليم والرعاية ومع ذلك فإنها منذ عقد ونيف من الزمان مازالت في البدايات خصوصا عندما ينظر بعض المسؤولين أو الميسورين إلى الخدمات التي تهتم بهذه الفئة على أنها من الكماليات وليست في قائمة أولوياتهم.
هذا الأسبوع التقيت أيضا سيدتين مهتمتين بالمؤسسات غير الحكومية التي تخدم قطاعا كبيرا من أبناء الشعب السعودي والعربي حيث تشغل الدكتورة مشاعل العتيبي منصب الأمين العام لمنظمة الطفولة العربية وتطير من مكان إلى آخر وتبذل جهودا كبيرة من وقتها ومالها من أجل الطفل السعودي والعربي، ولم تكن لتقوى على ذلك لولا وجود دافع قوي بداخلها للخدمة العامة. أما الدكتورة سعاد يماني استشارية المخ والأعصاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث ورئيسة جمعية ومجموعة دعم اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (افتا) فإنها تسلط الضوء وتحشد الدعم للتوعية والسيطرة على داء يفتك بمجتمعنا، فنسبة المصابين بهذا الداء تصل إلى 15% من المواطنين، وتتحدث بحرقة في ظل قلة الداعمين والمتفهمين لخطورة العمل الذي تقوم عليه.
المجتمع غير حافز لمثل هذه المبادرات، وأذكر كيف بدأ الأمير سلطان بن سلمان جهوده في تأسيس جمعية رعاية الأطفال المعاقين وكيف تلمس طريقه وسط متاعب كثيرة ولكن دعم الأمير سلمان ومكانة الأمير ووجود الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- على رأس وزارة الصحة آنذاك ساعد في بروز الجمعية التي مازالت بحاجة إلى الكثير من الدعم. مجتمعنا بكل أسف يخجل من أطفاله الذين يعانون من الأمراض العصبية والنفسية، وبل وحتى بعض الأمراض العضوية. استقبلت الدكتورة سعاد يماني طفلة عمرها 12 سنة مشلولة وقد جيء بها من دار الرعاية الاجتماعية وهي متوقفة عن تناول الطعام، وعندما اختلت بها وسألتها بحنان الأم عن سبب إضرابها عن الطعام قالت المسكينة بأنها فعلت ذلك لأن والديها لايريدانها ولا يزورانها.
لابد في ظل عدم وجود تنظيم واضح للجمعيات غير الحكومية وعدم اهتمام بعض رجال الأعمال والشركات الكبرى بدعم جهود الأفراد المتطوعين في تلك الجمعيات من تدخل سريع وعاجل من صناع القرار، فالمؤسسات غير الحكومية داعم ورافد مهم للخدمات الحكومية ولا بد من الاهتمام بها شعبياً وحكومياً.
هناك حوالي 40000 مؤسسة غير حكومية عابرة للقارات، أما في الهند فهناك حوالي 3.3 ملايين مؤسسة أي أن لكل 400 مواطن مؤسسة ترعاهم، وفي روسيا هناك حوالي 27 ألف مؤسسة من هذا النوع.
الخير المتأصل في مجتمعنا يتطلب تنظيم هذه الجهود ودعمها، ونشر الوعي بها، والتوسع في تلك المؤسسات لأنها عون أكثر مرونة وأقل بيروقراطية لخدمات الدولة. هناك الكثير يسرن في الطريق نفسه الذي سلكته الأميرة سميرة الفيصل والدكتورتان الفاضلتان مشاعل العتيبي وسعاد يماني، ولا نملك لهن سوى الدعاء بالتوفيق والتشجيع الدائم.
الكاتب : د.عبد الله بن موسى الطاير
المصدر : زاوية التفكير بصوت مسموع ( جريدة الرياض)