الدكتور / محمد الدوسري
استشاري مخ وأعصاب الأطفال
يعتقد الكثير أن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يخص الأطفال دون غيرهم، وأن الكبار لايعانون من هذا الاضطراب، أي أن الأطفال ينمون مع هذا المرض وتختفي جميع أعراضه عند البلوغ. ويرجع هذا الاعتقاد الشائع إلى عدة أسباب من أهمها أنه لم يتم التعرف على هذا المرض إلامنذ فترة بسيطة نسبياً، فبالرغم من التعرف على هذا الاضطراب عند الأطفال منذ مايزيد على المائة عام، فإن حقيقة تأثيره على البالغين لم تتضح للعاملين في هذا المجال إلا في العقود القليلة الماضية. وتدل الدراسات الحديثة على أن مايقارب ثلثي عدد الأطفال الذين يتم تشخيصهم بهذا الاضطراب سوف يعانون من أعراضه بعد البلوغ بشكل يؤثر على نواحٍ مختلفة من حياتهم الأكاديمية والعملية والاجتماعية. وبالنظر إلى التاريخ المرضي لهؤلاء البالغين فإن أعراض هذا الاضطراب من زيادة وفرط الحركة وتشتت الانتباه والتسرع، تكون واضحة منذ عمر مبكر ولكن قد تكون فسرت على أنها نوع من السلوكيات والتربية المعينة و”الشقاوة” “وسوء التربية” وأنها ليست مرضا معينا. أن مايحدث بعد البلوغ هو أن هذه الأعراض تكون أقل أهمية ووضوحا إذا ماقورنت بالمشاكل المختلفة في العلاقات الإجتماعية والعملية وتقلبات المزاج الحادة
وحتى مشاكل الإدمان على الكحول أو المخدرات. ولأن من يرى هؤلاء البالغين قد لايتخيل أن أساس كل هذه المشاكل الكبيرة هو السلوك “الشقي” في الطفولة، فإن تشخيص هؤلاء البالغين هو من الصعوبة والأهمية في نفس الوقت. ويجب التنبة إلى أن ليس كل المشاكل الإجتماعية والعملية وتقلبات المزاج الحادة ومشاكل الإدمان بسبب هذا الاضطراب، الأمر الذي يتطلب أن يقوم بعمل هذا التشخيص المختصون والمؤهلون فقط، بعد التقييم الشامل.
وتنبع أهمية تشخيص هذا الاضطراب لدى الكبار من أنه قد يدمر حياة الشخص من نواحٍ مختلفة، فقد يعيقه من عقد صداقات وعلاقات جيدة وحتى قد يؤدي إلى تحطيم زواج الشخص، كما قد يؤدي إلى طرده من وظيفته، ومما يزيد الأمر سوءاً أن هؤلاء الأشخاص معرضون بشكل كبير للمشاكل النفسية والإدمان. ومن الممكن تجنب هذه النتائج السلبية بالتشخيص المبكر والتدخل العلاجي الفعال. وبالرغم من أن أفضل النتائج تأتي من التشخيص والعلاج في فترة الطفولة المبكرة بهدف تجنب المشاكل المستقبلية، فقد أثبتت الأبحاث الطبية أن استجابة البالغين للتدخل العلاجي مشجع للغاية. وهذا التدخل العلاجي يعتمد على عدة محاور من أهمها: معرفة المرض وأعراضه وكيفية التعامل معه مما يجعل المريض عضوا فعالا في الفريق العلاجي ويدفعه إلى توجيه واستغلال نقاط القوة فيه مع التقليل من آثار نقاط ضعفه واتخاذ وسائل مساعدة له للتغلب عليها. وثاني المحاور: العلاج الدوائي عند الحاجة للتغلب على اعراض المرض نفسه أو على أعراض أمراض مصاحبة.