د.سحر أحمد الخشرمي
أستاذة التربية الخاصة المشارك
جامعة الملك سعود
في قصة حديثة للأطفال نشرت باللغة الانجليزية بعنوان Eagle’s eyes في الولايات المتحدة الأمريكية، شدني كثيرا ذلك العنوان والذي يعني بالعربية عيون النسر، فخطر على بالي أن مضمون تلك القصة سيدور حول طائر النسر وقدرته الخارقة على مسح الأماكن بعينيه لاصطياد فريسته. والحقيقة أن كاتب القصة لم يكن في واقعه من عشاق الطيور كما بدا من عنوانها، حيث تدور أحداث القصة حول طفل في أسرة صغيرة لديه شقيقة واحدة تشتكي باستمرار من إزعاج ومضايقة شقيقها لها وتصرفاته اللامدروسة والتي تتسبب بالكثير من الخسائر لهم أثناء اللعب، فهو طفل اندفاعي ولا يركز على شيء واحد فعيناه تدور في كل مكان بلا استقرار كعينا النسر إلا أنه لا يصطاد فريسته عادة فهو لا يستقر على شيء محدد، ويمتعض الطفل من نفسه ومن عدم رضا الآخرين عنه في المنزل والمدرسة وينظر له الكثيرون كما الألم في العنق الذي لا يدري المرء كيف يتخلص منه. وتشاء الظروف أن يحال الطفل للطبيب الذي يشخص حالته على أنه مصاب باضطراب الانتباه والنشاط الزائد ADHD و أن ما يحدث معه ما هو الاخلل كيميائي لا حيلة له فيه ولا يد.. وتشاء الظروف أن يتعرض الوالد لإصابة أثناء رحلة خارجية مع أبناءه فيستنجد بابنه الذي كان يعلم بأن لديه قدرة عالية على متابعة عدة أشياء ومواقع في آن واحد كي يكلفه بمهمة المضي بالبحث عمن ينقد الأسرة، وتنتهي القصة الجميلة بإحساس الطفل بالسعادة لأنه كان يملك عيونا كعيون النسر يمكنها البحث في عدة اتجاهات، ولأول مرة يشعر ذلك الطفل بالرضا لكونه لديه اضطراب ADHD
ما أردت أن أقف عنده من خلال استعراض أحداث هده القصة هو أمرين:
الأمر الأول: أن الإعلام لا بد أن يقف بصورة أكثر ايجابية نحو قضايا الاحتياجات الخاصة كما هو الحال بالغرب، كذلك فان كَتاب القصة ينبغي أن يكون لهم دورا فاعلا في هذا الجانب فيتبنوا قضايا إنسانية كي يبرزوها بشكل فاعل وموضوعي.
والأمر الثاني: وهو الأهم وهو ما يقع على عاتقنا كمختصين في مجال التربية الخاصة وفي المجالات النفسية، و أقصد هنا الدور الذي ينبغي أن نلعبه في تدريب الطفل الذي لديه ADHD على السلوك الاجتماعي المقبول والدي يقربه من الآخرين ولا يجعله عبء على نفسه وعلى الغير.
فالطفل الذي لديه هدا الاضطراب كما هو معروف يواجه مشكلات اجتماعية عدة تحول دون قبوله من الغير وتؤثر في رضاه الداخلي عن ذاته، مثل عدم القدرة على تكوين صداقات، وعدم فهم وقراءة الانفعالات ولغة الجسد بشكل مناسب، ويتصف كثير من هؤلاء الأطفال بالاندفاعية في التصرف ومضايقة الغير وعدم احترام الدور أو الحقوق الخاصة بالغير، وكما شهدنا في هذه القصة فقد تحول التعامل مع الضعف لدى الطفل إلى مصدر للقوة والدعم من خلال توظيف ما لدى الطفل من قصور إلى شكل ايجابي، وكم هي التجارب الناجحة عديدة في الغرب التي يتم من خلالها تغيير السلوك السلبي إلى ايجابي، حيث يمارس الصبر أولا والتعامل مع المشكلة على أنها مشكلة لدى الطفل وليست عداء وممارسات متعمدة منه هدفها إزعاج الغير.
نحن بحاجة حقيقة إلى دورات تدريبية وحصص دراسية للأطفال أنفسهم لنعلمهم كيف يتعاملوا بشكل مناسب في المواقف الاجتماعية التي تمر بهم يوميا، وكيف يترجموا ردود فعل الغير ومشاعرهم بشكل صحيح من خلال تطبيقات عملية نمارسها معهم كعرض صور لانفعالات وتعبيرات مختلفة لدى الآخرين وتحليل وشرح تلك الانفعالات وكيفية التفاعل معها.
و أخشى في تعاملاتنا الحالية مع الأطفال كأسر ومربين أن نعمق في نفوسهم الصور السلبية عن الذات والتي قد تجعل هؤلاء الأطفال يرون في وجودهم حمل كبير على غيرهم ومن ثم على أنفسهم، فكيف نأمل بتغييرهم للأفضل ونحن نقف عند كل أخطائهم متأففين مؤنبين تاركين وراء كل عتاب وتأنيب روح منكسرة ترى في نفسها الضعف والهزيمة.
قد رأى الأب في القصة السابقة في طفله طوق النجاة من خلال حركات عينيه اللا مستقرتان واللتان
تتنقلان من مكان لآخر، فهل يمكن أن نرى نحن في أطفالنا مواقف ضعف نحيلها مواقف قوة ولا نضغط دائما على الأزرار الخاطئ؟
نحن بحاجة لتلك الثقافة من خلال تأهيل الأسر والمعلمين والأطفال أنفسهم على مفاتيح ايجابية نعبر من خلالها لجانب مشرق في اضطراب ضعف الانتباه والنشاط الزائد بدلا من إلقاء اللوم على أنفسنا وعلى الأطفال وعلى ذلك الاضطراب.