يعدّ وجود طفل مصاب باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في الفصل الدراسي تحدياً للتربوي الذي لا يجيد التعامل معه؛ لأنّ السمة البارزة للطلاب المصابين بالاضطراب هي عدم استطاعتهم على البقاء في مقاعدهم، بالإضافة إلى عدم قدرتهم على إنهاء المهام التعليمية المطلوبة منهم بالسرعة نفسها لأقرانهم؛ مما قد يجعل المعلم يسيء معاملة الطالب بعد أن يعتبر سلوكه مشاغبةً متعمدة، أو أن يفسره تحدياً لسلطته في الفصل، وبذلك يدخل الطالب والمعلم في حلقة مفرغة من سوء التفسير وإساءة التصرف، بشكل يؤثر على النواحي الأكاديمية والنفسية والاجتماعية للطالب.
د.سعاد: نحتاج إلى «خطة تربوية فردية» تراعي قدرات واحتياجات كل طالب
وتبعاً لذلك؛ سعت جمعية دعم اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه “افتا” منذ إنشاء الجمعية إلى العمل كخلية نحل على مدار العام في التثقيف، والتوعية، والتدريب، لكافة القطاعات والفئات التربوية في المجتمع، وتفرغوا بالدرجة الأولى لعقد الدورات التدريبية ويكون بعضها بشهادات حضور معتمدة، ولم يقتصر الأمر على المدارس الحكومية فقط، بل استهدفوا المدارس الخاصة أيضاً، وتمكنوا من توقيع اتفاقيات مع العديد منها.
ونظراً لحاجة الجمعية إلى مزيد من التنسيق مع وزارة التربية والتعليم؛ حرصت على تقديم مذكرة تعاون مع الوزارة تؤطر العمل المشترك بين الجمعية والوزارة؛ مما يسهل تنفيذ برامج تخدم الطلاب والطالبات ذوي “افتا” في المملكة، من خلال الاشتراك بين الطرفين في مجالات التدريب، وتنظيم الدورات والبرامج، إلى جانب تشكيل لجنة من ذوي الاختصاص من الطرفين لمتابعة تنفيذ وتقويم البرامج؛ حرصاً على تحقيق أهداف الاتفاقية، بالإضافة إلى العمل على دعم ومساندة تطبيق البرامج في رياض الأطفال، والمدارس الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية، للبنين والبنات، عن طريق تنظيم البرامج التدريبية بالتنسيق مع مديري المدارس، والتدريب التربوي، والمشرفين التربويين، من أجل ضمان سلامة التنفيذ.
تأهيل المعلم والمعلمة للتعامل الأمثل مع المصابين
أمل تحقق
وقالت “د.سعاد يماني” -رئيس مجلس إدارة الجمعية- أنّ المذكرة جاءت لتُحقق أمل الجمعية بالمشاركة في مشروع وزارة التربية والتعليم “تطوير”، من خلال ما يخص تدريب وتأهيل المعلمين للتعامل مع ذوي “افتا”، حيث إنّ نسبة كبيرة من طلبة المدارس يعانون من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، كما أنّ المعلم المؤهل على التعامل مع أطفال “افتا” قادر على التعامل مع كافة التصرفات الطفولية التي تصدر عن الطلاب المصابين، مؤكّدةً على أنّ الأساليب التي تتبعها الجمعية في تدريب الأكاديميين والتربويين هي فنون التعامل الصحيح في المنظومة التربوية.
طلاب وطالبات فرط الحركة وتشتت الانتباه بحاجة إلى خطة تربوية خاصة
قرار مجلس الوزراء
وأضافت “د.سعاد” أنّ مجلس الوزراء سبق وأن أصدر قراراً متعلقاً بالموافقة على المشروع الوطني للتعامل مع الأطفال ذوي تشتت الانتباه وفرط الحركة بتاريخ 8-1-1430ه، حيث نص القرار على عدد من المهام المتعلقة بوزارة التربية والتعليم ومنها: اعتماد برامج التدخل المبكر لخدمة الأطفال المصابين بدءاً من الحضانة، بالإضافة إلى قبول الطلاب من ذوي “افتا” من الجنسين في برامج التعليم العام، ومنح المقبولين من هذه الفئة كل التسهيلات اللازمة لضمان نجاحهم في برامجهم الدراسية، خاصةً فيما يتعلق منها بموضوع الاختبارات، ومراعاة قدراتهم الاستيعابية، والتعبيرية، والكتابية في البيئة الصفية، ويتم قبول هؤلاء الطلاب وتعليمهم مع زملائهم العاديين وفق خطة تربوية فردية، يحدد فيها البرنامج الملائم لكل طالب، ويراعى فيها قدراته واحتياجاته، مع تبني إعداد وتقديم ورش عمل، ومحاضرات تثقيفية للتربويين والأسر لتوعيتهم بهذه الفئة، وكيفية التعامل مع أفرادها في المدرسة والمنزل.
د.سعاد يماني
مصلحة المجتمع
وأشارت “د.سعاد” إلى أنّ الأهالي كانوا ينتظرون تفعيل اللوائح التنفيذية الخاصة بالقرار السامي؛ ليكون إمتداداً لكافة الجهود الرائدة في مجال رعاية وخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة وتأهيلهم، ويضمن حصولهم على الخدمات الصحية، من خلال تنسيق الخدمات بين الجهات الحكومية والخاصة التي حددها القرار، مبيّنةً أنّ هذه المذكرة حتماً ستغير الكثير من واقع ومستقبل ذوي “افتا” وأهاليهم، وتحسن الخدمات المقدمة لهم، متمنيةً تحقيق الأهداف المشتركة والمنشودة من خلال التخطيط المشترك لمصلحة المجتمع.
وضع مختلف
ولفتت صاحبة السمو الأميرة “نوف بنت محمد بن عبدالله” -نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية- إلى أنّ وزارة التربية والتعليم تقع على عاتقها مسؤولية عظيمة، حيث إنّ المدرسة هي المكان الطبيعي لهؤلاء الأطفال؛ لأنّ وضعهم مختلف، فالأطفال المصابون بالسرطان مثلاً تكون وزارة الصحة الجهة المسؤولة عنهم بالدرجة الأولى، مشددةً على أنّ الفريق المتعامل مع الطفل المصاب ب”افتا” لابد أن يكون على درجة عالية من التدريب، ولديه مهارات التعامل الصحيح، سواءً أكان المعلم أم الإخصائي أم المرشد الطلابي، وحتى الأفراد الآخرين الموجودين في المنظومة التعليمية من الحارس إلى مدير المدرسة، يجب أن يكون لديهم وعي بالتعامل الصحيح مع هؤلاء الأطفال.
مستوى أكاديمي
وكشفت “سامية” -طالبة في المرحلة الثانوية- بأنّها عانت بشدة من نظرة المحيطين لها، حيث إنّها مصابة باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ولم تكن تستطيع حل التكاليف الفصلية في الوقت المحدد من المعلمة، وأحياناً لا تستطيع كتابة أي شيء حين تهيمن عليها أعراض الإضطراب تجاوزت المشكلة، مشيرةً إلى أنّها متفوقة في دراستها، لكن تحتاج القليل من المساعدة والتعاون من معلماتها حتى تتمكن من الثبات على تفوقها ولا يتراجع مستواها الأكاديمي؛ بسبب تندر زميلاتها الطالبات، وسخرية بعض المعلمات من حالها ووضعها الصحي.
تعاون مكثف
وأوضحت “آمال يماني” -استشارية علم نفس الاكلينيكي- أنّ المدرسة لها دور كبير في العلاج التربوي للأطفال المصابين باضطراب فرط والحركة وتشتت الانتباه، ويتطلب ذلك تعاوناً مكثفاً بين الأهل والمدرسة لعمل التغيرات المطلوبة، حتى يصبح الطفل ناضجاً أكاديمياً، فالأطفال المصابون بالاضطراب لديهم مشكلات في المدرسة؛ نتيجةً لما يعانون من صعوبات في أداء الأعمال التي تحتاج تركيز، أو تذكر، أو تخطيط، أو تنظيم؛ مما قد يؤدي إلى ضعف الأداء الأكاديمي والاجتماعي في المنزل، والمدرسة، والمجتمع بشكل عام.
علاقة المعلم بالطالب
وشددت “د.آمال” على ضرورة تقوية علاقة المعلم بالطلاب المصابين بالاضطراب والاهتمام بهم، وهذا لا يكون إلاّ بعد معرفة المعلم بالاضطراب وطرق تشخيصه وعلاجه، حيث يعدّ ذلك من أهم المحاور؛ لأنّ فهم سلوك أطفال “افتا” ضروري جداً عند التعامل معهم، لافتةً إلى أنّ العلاج التربوي يتضمن تعديل المنهج والخطة الدراسية، والبيئة الصفية، بطريقة تلائم قدرات واحتياجات الطلاب المختلفة، ويشمل ذلك المواد الدراسية، وطريقة التدريس، والواجبات المدرسية، وطرق التقييم، ونوعية الإختبارات.
صفات المعلم
وأكّدت “د.آمال” على أنّ الصفات الشخصية للمعلم تعتبر عامل تأثير مهماً في التعامل مع الطلبة ذوي “افتا”، فعندما يكون لديه توجه للتعديل والتغيير في التعامل مع المشكلات الصفية والسلوكيات المختلفة في التعامل مع التلاميذ؛ فإنه حتماً سيواجه النجاح في التغلب على هذه السلوكيات، مضيفةً أنّ مدى حساسية المعلم من الصفات الهامة أيضاً، فذوي “افتا” غالباً ما يستشعر أنّه بشكل أو بآخر مختلف عن بقية التلاميذ، كما أنّ الأسلوب الذي يستخدمه المعلم في التدريس لهو تأثيره القوي، فالأسلوب السريع في التدريس والمرور على الأنشطة والواجبات بشكل سريع يصعّب من فهم الطالب المصاب بالاضطراب للمادة، منوهةً أنّ بعض المعلمين لا يشعر بالقصور العام في تنظيم وتقديم المادة العلمية.
مؤثرات خارجية
ونصحت “د.آمال” بمحاولة إبعاد الطالب عن المؤثرات الخارجية، ووضع لائحة بالتصرفات المقبولة، والمرفوضة، ولائحة القوانين والعقوبات -متفق عليها- لكل تصرف مرفوض، إلى جانب الاستعانة بالبرامج الحاسوبية في بناء المهارات، ووضع سبورة مصغرة خاصة بالتكاليف والواجبات المدرسية، وتوفير الإضاءة الجيدة ودرجة الحرارة الملائمة، والتقليل من كمية المشتتات البصرية في الصف، واختيار مكان مناسب لكل طالب.
دور المعلم
وأكّدت “علياء البازعي”- مدربة تربية خاصة بوزارة التربية والتعليم- على أنّ العلاج الناجح هو العلاج الشمولي المتعدد الجوانب، وسلوكياً، وتربوياً، وطبياً، مبيّنةً أنّ أهم بند وعامل في نجاح العلاج هو معرفة الأسرة والمجتمع المحيط بذوي “افتا” والطرق الصحيحة للتعامل معها، ويجب على كل أفراد المدرسة أن يكونوا متعاونين في ملاحظة الطفل، والتواصل مع الأهل والأطباء إذا أمكن، بالإضافة إلى ملاحظة سلوك الطفل وأدائه تحت تأثير العلاج، من خلال هذه المعلومات يمكن للأطباء الوصول إلى الجرعة المناسبة والفعالة لعلاج الطفل، مشددةً على أن يدرك المدرس أنّ جرعة الدواء يتم تغييرها للوصول إلى المناسبة، وفي بعض المرات أثناء عملية التغيير تحصل بعض الآثار الجانبية، كما يحتاج الفريق المعالج أن يتواصل مع المدرس وتكوين صورة واضحة عن تأثير الدواء على أداء الطفل الأكاديمي وسلوكه.
وطالبت “علياء” المعلمين أن يعدلوا كمية الواجبات المنزلية التي تعطى للطلاب المصابين بالاضطرابات؛ لمساعدتهم على قضاء قدر معقول وغير مفرط في إنجازها، إلى جانب تجنب إرسال العمل الذي لم ينجزه الطلاب إلى منازلهم، ودعمهم عوضاً عن ذلك لانجازها في المدرسة، مؤكّدةً على أهمية أن تكون الواجبات المدرسية عبارة لما تعلمه الطالب في المدرسة، وأن لا تتضمن معلومات جديدة عليه، مشددةً على ضرورة التواصل بين المعلمين لتنسيق توزيع الواجبات والإمتحانات؛ لتجنيب الطلاب الضغوط التي تنشأ عن تراكم المهام، إلى جانب الحرص على إشراك الطلاب في الأنشطة غير المنهجية التي قد تساعدهم على تطوير نقاط القوة لديهم.