حذرت دراسات مسحية حديثة وآراء متخصصون من تنامي ارتفاع نسبة الإصابة بفرط الحركة وتشتت الانتباه بين الأطفال في السعودية، مؤكدين أنها مرتفعة قياسا بالمعدلات العالمية، ففي أميركا مثلا لا تتجاوز نسبة معدلات الإصابة 10 في المائة، بينما تشير آخر الإحصاءات إلى أن النسب في السعودية تتجاوز 12 في المائة.
وقالت دراسة صادرة عن المديرية العامة للشؤون الصحية في المنطقة الشرقية إن نسبة الأطفال المصابين بمرض فرط الحركة وتشتت الانتباه في المنطقة بلغت أكثر من 16 في المائة.
وأوضحت الدراسة التي أجراها الدكتور جمال الحامد استشاري طب الأسرة والمجتمع أن المنطقة الشرقية تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد الحالات المصابة بحالات فرط الحركة وتشتت الانتباه، بينما تأتي منطقة الرياض في المرتبة الثانية تليها محافظة جدة، وذلك على مستوى المناطق الرئيسة الكبرى في السعودية.
وبين الدكتور الحامد أن نسبة الإصابة بالمرض على مستوى السعودية تصل إلى 12 في المائة، بحسب دراسة أجرتها جامعة الملك سعود على مراجعي العيادة النفسية لمستشفى الملك خالد الجامعي.
وأرجع الدكتور الحامد سبب ارتفاع نسب الإصابة في المناطق الثلاث (الشرقية والرياض وجدة)، إلى أنها مناطق عمل، وبسبب انشغال الزوج والزوجة في أعمالهم، وإسناد مهمة تربية الأطفال إلى العاملات المنزليات، مما يفقد الطفل الاحتضان الأسري.
وأكد استشاري طب الأسرة والمجتمع أن نسب الإصابة زاد معدلها السنوات الأخيرة، مقارنة بالسنوات الماضية، لافتا إلى أن الاكتشاف المبكر لهذا الاضطراب في المراحل الأولى من عمر الطفل يخفف من معاناته.
وأشار إلى أن عدد المصابين بفرط الحركة وتشتت الانتباه يبلغ نحو 2.5 مليون مصاب، كما أن نحو 40 في المائة من الأطفال المنومين في قسم الأمراض النفسية يعانون منه، ويكثر شيوعه في البنين عن البنات.
ومن أعراض اضطرابات فرط الحركة بحسب الدكتور الحامد «القلق والانطوائية والخجل والابتعاد عن مواجهة الآخرين وقصر الانتباه وصعوبة متابعة التوجيهات والظهور بمظهر من يحلم أحلام اليقظة وضعف الذاكرة والتركيز لفترة طويلة وكثرة الكلام والثرثرة والحركة والتململ والضجر ومضايقة الأطفال الآخرين والتهور وسرعة الغضب والهيجان والاستجابة من دون تفكير، إضافة إلى اللامبالاة بعواقب الأمور وتذبذب المزاج وصعوبة التأقلم وصعوبة إظهار شعوره للآخرين والافتقار إلى المهارات الاجتماعية وعدم القدرة على تكوين صداقات».
وذكر الدكتور الحامد أن 50 في المائة من الأطفال المصابين يستمر معهم هذا الاضطراب إلى ما بعد المراهقة وسن الرشد، ويظهر بشكل أعراض أخرى كالفوضوية وحدة الطباع وعدم المقدرة على التعامل مع الأسرة، مؤكدا أن أسباب هذا الاضطراب عوامل بيولوجية، منها الوراثة والعقاقير ونقص الأكسجين في خلايا مخ الجنين أثناء الحمل والولادة، ونقص نضج المخ، وهناك عوامل بيئية واجتماعية مثل عدم استقرار الأسرة وسوء الظروف البيئة والإكثار من تناول السكريات مثل الشوكولاته والمشروبات الغازية، وتعرض الطفل إلى بيئة جديدة وتدخين المرأة الحامل.
وحول كيفية تشخيص هذا الاضطراب، أكد الحامد أنه لا بد من التعرف على ثلاث قدرات رئيسة، مثل القدرة السلوكية والقدرة التعليمية والقدرة الاجتماعية وقياس نسبة الذكاء الطفل وإشراك الأبوين والمعلم والمرشد والطبيب المعالج لكي يعملوا كفريق واحد، مشيرا إلى أنه يرافق هذا الاضطراب اضطرابات أخرى، مثل اضطراب التوافق وتأخر النطق والاكتئاب والتبول والتبرز اللاإرادي والوسواس القهري.
وتطرق الدكتور الحامد إلى وسائل العلاج عن طريق الأدوية والتعامل الصحيح من قبل الأبوين، واستخدام العلاج السلوكي والمعرفي وبرامج التعليم الخاص وعدم استخدام العقاب البدني.
وأظهرت آخر إحصائية قدمتها جمعية (افتا) الخاصة بفرط الحركة إصابة نحو 2.5 مليون طفل بفرط الحركة وتشتت الانتباه.
من جانبها، قالت الدكتورة سعاد يماني رئيسة الجمعية المتخصصة في طب الأسرة والمجتمع أن هناك دراسة قدرت ووفق مسح ميداني عدد المصابين بنحو 16.7 في المائة في الشرقية، بينما بلغت النسبة في الرياض 12.6 في المائة.
وبينت يماني أن 50 في المائة من مصابي فرط الحركة وتشتت الانتباه مبدعون مضيفة أن لدى جمعية «افتا» 400 متطوع تم تدريبهم للتعامل مع المصابين، وهناك طموح للوصول إلى 3000 متطوع بنهاية هذا العام.
وأشارت يماني إلى أن الجمعية تعمل على إطلاق مشروع مركز خيري لتشخيص وعلاج المصابين بفرط الحركة وتشتت الانتباه، أُطلق عليه «مشروع عبقري» وسيوفر العلاج لـ1170 طفلا كمرحلة أولى بتكلفة إجمالية 22 مليون ريال، مبينة أن تكلفة علاج الطفل الواحد تقترب من 18500 ريال سنويا.
وبينت يماني أن الميزانية السنوية التي تحتاجها الجمعية للقيام ببرامجها ومشاريعها تبلغ نحو 25 مليون ريال تقدم منها وزارة الشؤون الاجتماعية قرابة مليون ريال فقط كدعم سنوي.
وكانت جمعية افتا الخيرية قد أطلقت مؤخرا فرعها في المنطقة الشرقية كفرع ثالث للجمعية، بعد أن سبقها فرعان في مدينتي الرياض وجدة.
ويعرفه «افتا» بأنه اضطراب عصبي جيولوجي يصيب الأطفال، ويؤدي إلى فرط الحركة الاندفاعية وتشتت الانتباه وعدم التركيز، وكشفت الدكتورة سعاد يماني أن الأسباب الوراثية تصل إلى ما نسبته 90 في المائة من مسببات الإصابة، وترتفع معدلات الإصابة في الأشهر الأولى للولادة.
وعلى صعيد دول مجلس التعاون الخليجي، تصل نسبة الإصابة في دولة الإمارات إلى 14.9 في المائة، أما في دولة قطر 11.1 في المائة، حسب الإحصائيات الرسمية.
ويعتبر المرض من أكثر الأمراض المكلفة، التي تتخذ ثلاث مسارات دوائي وتربوي وسلوكية، وهو من الأمراض التي لها مؤثرات سلبية كثيرة، وفي مقدمتها المشكلات الأكاديمية، من خلال التأثير على التحصيل العلمي والمشكلات الوظيفية والمشكلات الصحية والحوادث المرورية والجرائم والإدمان، كما أنه يسبب الاضطرابات السلوكية في الشخص المصاب نفسه.
وبينت رئيسة جمعية «افتا» أن عواقب الإصابة بهذا الداء اضطرابات سلوكية داخل الفصل وضعف التحصيل العلمي إلى درجة عدم القدرة على الحصول على الثانوية العامة وزيادة نسبة التسرب الدراسي، مضيفة: «هناك حاجة إلى فصول خاصة لتعليم المصابين بالأعراض، في حين تصل نسبة الحاجة لمعلم خاص إلى 56 في المائة، وتصل نسبة الإعادة للسنة الدراسية إلى 30 في المائة».
وكانت أظهرت إحصائية قدمتها جمعية اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه «افتا» بالمملكة عن إصابة 15 في المائة من طلاب التربية والتعليم بفرط الحركة وتشتت الانتباه، أي بما يعادل 2.5 مليون طالب وطالبة بالبلاد، مما دفع بجمعية «افتا» إلى توقيع اتفاقية مؤخرا مع وزارة التربية والتعليم لعقد دورات تدريبية في مدارس البنين والبنات، لاكتشاف اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه لدى الطلاب ومحاولة علاجه.
وحملت رئيسة مجموعة دعم اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه وزارة التربية والتعليم مسؤولية كبيرة، وقالت: «يقع على عاتق وزارة التربية والتعليم مسؤولية كبيرة، خاصة إذا كنا نتحدث عن أطفال هم بالدرجة الأولى في عمر المدرسة، ومكانهم الطبيعي المدرسة؛ فنحن مثلا لا نتحدث عن أطفال مصابين بالسرطان مثلا، والجهة المسؤولة بالدرجة الأولى وزارة الصحة أو المستشفى. من هنا أعتقد أن الفريق العامل مع الطفل.. سواء المعلم أو الاختصاصي أو المرشد الطلابي لا بد أن يكون على درجة عالية من التدريب ولديه مهارات التعامل الصحيح مع الطفل، بل إن الأفراد الآخرين الموجودين من الحارس إلى مدير المدرسة يجب أن يكون لديهم وعي بالتعامل الصحيح مع هؤلاء الأطفال».
وكشفت الدكتور سعاد يماني أن من أهم المشكلات التأثيرات العائلية، فهي تسبب نقص الرضا بين الأب والأم، وتصل نسبة المصاب مع الأشقاء من 2 إلى 4 أضعاف، وزيادة الانفصال بين الوالدين وإصابتهما بالتوتر الدائم هذا، فضلا عن التكاليف العلاجية.
وذكرت يماني أن العلاج الطبي أثبت فعالية في 80 إلى 90 في المائة من الحالات، ويمكن للمصاب أن يكون ناجحا إذا تلقى العلاج المناسب، وعدّدت شخصيات عالمية ناجحة كانت مصابة بالمرض، منها ليوناردو دافنشي، وتوماس أديسون، وآينشتاين، ومايكل فيليبس.
ويعتبر المسار المتعدد الوسائط من التداخلات الطبية والنفسية والاجتماعية والتربوية ذا فعالية كبيرة في علاج أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.
ونفت يماني الاعتقاد الشائع بأن مرض السكر يزيد من أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ويجعلها أكثر سوءا.
كما أن للإصابة بالمرض من قبل الأبناء أثرا على الأداء الوظيفي والإنتاجي للوالدين، خصوصا أن نسبة التوتر كبيرة لدى الوالدين والالتزام بمواعيد العلاج وغيرها من الأمور المؤثرة، كما أن نسبة الجرائم لأطفال «افتا» تصل إلى نسبة 46 في المائة مقارنة بنسبة 11 في المائة لدى الأطفال غير المصابين بالمرض، بينما تصل نسبة الجرائم لدى البالغين 21 في المائة مقارنة بواحد في المائة فقط من غير المصابين.
يشار إلى أن جمعية «افتا» أقامت عدة معارض في المملكة تهدف لرفع الوعي بالاضطراب وجمعية «افتا» ودورها في المجتمع، وزادت أنه تم إطلاق أول موقع إلكتروني عربي متخصص عن اضطراب فرط الحركة، وتشتت الانتباه، يهدف لنشر التثقيف العلمي والتربوي والطبي عن هذا الاضطراب، وإعداد ونشر ثمانٍ من المطبوعات الإرشادية والموجهة لفئات مختلفة، مثل أولياء الأمور والتربويين. وتنظيم ما يقارب 20 ورشة عمل حول اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، موجهة لكل من أولياء الأمور والتربويين والأطباء. وكانت جمعية «افتا» المختصة في علاج هذا المرض في السعودية تأسست في شهر سبتمبر (أيلول) 2008، ومن بين أنشطتها كفالة عبقري بتكلفة 18500 ريال سنويا وسهم كفالة 500 ريال.