تظهر لدى بعض الأطفال في المراحل الدراسية المختلفة سلوكيات مزعجة ومشوشة تؤثر على سير العمل في الفصل الدراسي ويفسرها المعلمون غالباً على انها تصرفات غير لائقة من طفل لا يشعر بالمسؤولية او بعبارة اخرى “طفل مشاغب” كمقاطعة الطفل لعمل المعلم وعدم إتمام واجباته او حتى الحملقة في اشياء ليست مرتبطة بالدرس.
ويستوجب ان يكون المعلم حذراً في تفسير سلوكيات هؤلاء الأطفال حيث انها قد تكون مؤشراً في كثير من الأحيان لوجود اضطراب في الانتباه لدى الطفل، فقد يكون الطفل الذي يقاطع المعلم او لا يتم واجبه لا يقصد ان يكون نداً له وإنما لايمكنه التحكم في تصرفاته، كما ان الطفل الذي يحملق في اشياء لا ترتبط بالدرس ليس بالضرورة ان يكون هدفه تجاهل المعلم وإزعاجه بل انه يبدي نوعاً من انواع تشتت الانتباه التي تحتاج الى الرعاية والتفهم، والتي قد تبرز بأشكال مختلفة ومتباينة كمقاطعة عمل المعلم او عدم القدرة على التركيز او حتى التركيز او حتى النشاط الزائد. ولكي يتم مساعدة هؤلاء الأطفال وتخليصهم من تلك المعوقات كان لابد من تعاون كافة الأطراف ذوي العلاقة مع الطفل لتحقيق النجاح، وأولى خطوات العلاج هي التفهم وإجراء التعديلات المناسبة لمساعدة الطفل.
وتظهر مشكلات الانتباه غالباِ في مرحلة المدرسة حيث يكون الطفل عرضة لمهام دراسية متعددة تتطلب انتباهه لفترة طويلة من الوقت، وتستدعي قيامه بجهود معينة لإتمام تلك المهام. فالأطفال ذوو تشتت الانتباه يواجهون صعوبة في بعض او معظم المهام التي تتطلب نجاحاً أكاديمياً لبدء او اتمام المهام، والقيام بالتحويل او الانتقال من مهمة لأخرى. وكذلك التعامل مع الآخرين، واتباع التعليمات، وإنجاز اعمال دقيقة او تتطلب عملاً منظما وأداء مهام تتطلب اكثر من خطوة او مرحلة.
ففي مراحل العمر الأولى يمكن ملاحظة النشاط الحركي المتزايد للأطفال الذين يعانون من النشاط الزائد، حيث يكون هؤلاء الصغار غير قادرين على توجيه انتباههم بشكل كبير على عناصر متعددة في الحياة اليومية والبعض منهم يصبح صعب المراس لا يمكن بسهولة تهدئته واحتضانه. كما انهم يبدعون بالجري بمجرد ان يتعلموا المشي، وتلاحظ الأسرة حبهم المتزايد لتسلق الأشياء في المنزل وخارج المنزل والاندفاع في الطرقات المزدحمة بالسيارات وكأن حاجتهم للحركة تقودهم لذلك. وعندما يضطرون للبقاء ثابتين في اماكنهم فإنهم غالباً يكافحون من اجل الخروج من المواقف وذلك بتحريك اقدامهم وسيقانهم والنزعة للانطلاق بأجسادهم بعيداً، وفي مرحلة رياض الأطفال يعرف هؤلاء الأطفال من خلال عدم مقدرتهم على الاستمرار لفترة طويلة في الأنشطة الترفيهية المختلفة او عدم القدرة على الاستمرار في الحلقة لفترة كافية.
@ وفي المرحلة الإبتدائية تتزايد مسؤولية الطالب لتوجيه الانتباه داخل الفصل، وقد نرى المعلمين في هذه المرحلة يصفون هؤلاء الأطفال بأنهم متململون يخرجون من اماكنهم كثيراً، يحبون الكلام والثرثرة ويقاطعون الآخرين، وغالباً ما يحملقون في الفصل الدراسي وما به من ادوات اكثر من المعلم او السبورة او حتى المهام التي توكل لهم ويكون اداؤهم في معظمه غير مكتمل.
@ وفي المرحلة المتوسطة والثانوية فعندما يتحول الأطفال الى مرحلة المراهقة فإنهم ينزعون الى الاستقرار تدريجياً، ولا يبدون زيادة في النشاط الحركي وفي المقابل قد يصبحون قلقين وقليلي الراحة، دائماً يبحثون عن شيء ما، ويحبون الضجيج، مما يسبب لهم مشكلات تعليمية كما ان عدم تطور المهارات الاجتماعية يتسبب في فشل كثير من علاقاتهم الاجتماعية.
وفي سن الرشد فإن 1من كل 3مصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه تتلاشى لديهم المشكلة ولا تعود الأعراض في الظهور مرة اخرى، فعند البعض قد تتقلص الأعراض ولكن عند البعض الآخر قد تتفاقم، فكثير منهم يواجهون مشكلات متعددة مثل عدم القدرة على متابعة حديث الآخرين ونسيان الواجبات او التقارير المطلوبة، وكذلك عدم القدرة على التعليم، والرغبة في التسوق المفرط والمقامرة في الأموال، وتغيير الوظيفة المتكرر. وقد يشعرون بالاكتئاب والقلق وعدم الرضا عن الذات.. كما انهم قد يفشلون في اقامة علاقات ناجحة مع الزملاء والآخرين ويواجهون مشكلات على مستوى الحياة الزوجية، كالشجار والطلاق وغيرها وبالتالي فهم بحاجة لأساليب علاجية كغيرهم ممن يعاني من اضطراب فرط الحركة وقلة الانتباه لكي يتغير مجرى حياتهم.
وتشير الإحصاءات الى ان 90% من الأطفال الذين تم تصنيفهم على انهم يعانون من اضطراب الحركة والانتباه هم من الذكور، على الرغم من ان بعض الدراسات قد اشارت الى ان عدد الإناث والذكور الذين يعانون منه متساوٍ.
وينزع الذكور عادة الى النشاط الحركي اكثر من الإناث فقد نجد العديد من الإناث اللواتي يواجهن مشكلة النشاط الحركي الزائد ونقص الانتباه يملن اكثر لأحلام اليقظة ويشعرن بعدم الرضا، وكثيرا ما يواجهون مشاكل في التحصيل الأكاديمي، الا انهن لا يستطعن الانتباه بنفس الدرجة التي يكون عليها الذكور الذين يعانون من نفس المشكلة. اذ نجد الذكور عادة يخرجون من مقاعدهم الدراسية ويتحدثون دون انتظار لدورهم. كما انهم يقاطعون عادة الآخرين ويزعجونهم وكثيراً ما يجعلون الحياة بالنسبة لهم ولغيرهم صعبة وغير مريحة، فهم قادرون على اثارة الخلافات والصراعات داخل الفصل او حتى في منزل، وقد يفعلون ذلك حباً للإثارة والاستمتاع، ويصفهم الوالدين والمعلمون عادة بالكسل والعناد وعدم القدرة على تحمل المسؤولية. كما ان كثيراً من الأطفال ينزعجون منهم ويفضلون عدم مصاحبتهم فهم يتصرفون اقل بكثير مما هو متوقع منهم ومن قدراتهم الحقيقية. وغالباً ما يطورون مفهومَ ذاتٍ متدنياً عن انفسهم نتاجا للنقد والفشل الذي عادة ما يواجههم.
وقد يواجه القائمون على التشخيص مشكلة مع هؤلاء الأطفال حيث لا يسهل تطبيق الاختبارات عليهم وبالتالي لابد من اللجوء لاختبارات التقييم التي توجه للقائمين عليهم، كتلك الخاصة بالوالدين والمعلمين او ذوي العلاقة، كما ان وضع الأطفال غير الثابت قد يثير الحيرة ويعطل عمليات التقييم، فقد نجدهم في احدى الحصص منتبهين لما يقوله المعلم ويبدون تجاوباً وحساً واضحاً، وقد لا يحدث ذلك في حصة اخرى او حتى في وقت آخر لنفس المادة، فالتذبذب في سلوكياتهم قد يصبح مصدراً محيراً للقائمين على التشخيص.
ويجعل التشابه بين اعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه والمشكلات النفسية الأخرى من عملية التشخيص مهمة صعبة وشاقة.
وتشير الإحصاءات الى ان 50% من الأطفال الذين يعانون من تشتت الانتباه يمكن تعليمهم في الفصل الدراسي باستخدام استراتيجيات تربوية ملائمة معهم وإعداد المعلم بشكل مناسب لمساعدتهم. اما بقية الأطفال ال 50% ايضا فإنهم يحتاجون الى بعض الخدمات المتخصصة من اخصائي التربية الخاصة. ومن هؤلاء ال 50% فإن 35- 40% يتم تقديم تلك الخدمات لهم مع ابقائهم في الفصل الدراسي العادي او بمساعدتهم لبعض الوقت خارج الفصل في حجرة المصادر، وإعادتهم مرة اخرى الى الفصل بعد تقديم الخدمات الملائمةلهم، اما بقية المجموعة 10- 15% من هؤلاء الأطفال والذين يعانون من تشتت شديد جداً في الانتباه فإنهم قد يحتاجون الى فصل خاص داخل المدرسة العادية بعد مساعدتهم على التخلص من مشكلاتهم والتي لا يمكن التحديد مسبقاً للوقت الذي سيحتاجه كل طفل ليتجاوزها.
ولا يمكن ان نجزم ماهو العلاج الملائم لهؤلاء الأطفال الا اننا نستطيع ان نؤكد وعلى المستوى التربوي بأن خبرة المدرسة والمعلم وحرصهم على الأطفال الملتحقين في مدرستهم، ورغبتهم الأكيدة في مساعدتهم، والبحث الدائم عن الأساليب الملائمة والمتجددة، هو العلاج الأكثر فعالية وتأثيراً من اية علاجات اخرى هذا الجهد من المهم ان يكون عبر تعاون وثيق بين الأسرة والمدرسة والطبيب المعالج.
الكاتب: سحر الخشرمي قسم التربية الخاصة بكلية التربية – جامعة الملك سعود
المصدر: جريدة الرياض