أليس من حقي أن أتعلم؟ أليس من حقي أن أعامل كغيري من الأطفال؟ أين مدرستي و أين كُتبي؟ لماذا تدرس أختي و أنا لا؟
أسئلة رددها ابني في فترات مختلفة خلال السنوات الماضية بعبارات و أساليب مختلفة لا أعرف لها جواب. كنت أسايره و أسكته تارة بوعود و مرات أخرى بأكاذيب. نعم أكذب من اجل ارضاء ابني.
يرد عليّ بنظرة هادئة غير معتادة منه أفهم من عينيه أنه يعرف أن كلامي له ليس له صلة بالواقع.
مرت الأيام و الأشهر و السنين و نحن نبحث له عن المكان المناسب الذي يوفر له البيئة التعليمية المناسبة و يحتويه عاطفياً و يُنظر إليه كشخصية مستقلة. نعم مستقلة! مستقلة عن غيره فهو كأي شخص آخر من حقه أن ينظر إليه كفرد و يقيّم من كل النواحي قبل أن يقارن و يوصف بوصف عام. و لكن على عكس غيره له قدرات لم يكتشفها أحد و نقاط ضعف لم توجّه و له شخصية تميزة و له ميول لم تنمى و عنده وقت فراغ لم يستغل.
من ينظر إليه يرى “حالة خاصة” و لا يرى الانسان المميز الذي لا يشبه غيره سواءً في ايجابياته او سلبياته. لعبوا به و كأنه كرة يرمي بها من جهة إلى جهة. مجتمعنا الذي لا يرى إلا “طفل طبيعي” يقبل في أي مكان اما الاشخاص المعاقون المصنفون تحت مسمى احتياجات خاصة فهم لا ينتمون لباقي الطبقات.حتى نحن الاباء نعتبر حالة خاصة. نتمنى ان يكون هناك مركز تربوي وطبي لكل طفل. مكان يقلل من شعورنا بالذنب ويحترم الانسانية الموكنونة في الطفل.
بعد تجارب فاشلة مع المدارس الأهلية حاولنا ايجاد مراكز تربية خاصة أو تأهيل مناسب لابني و رضيت أن اضع ابني مع أطفال لديهم تحديات أكبر و مشاكل أعظم بحجّة أن يُركّز عليه بشكل أفضل ليتحسن و يتعلم و من ثم يدمج في مدرسة تعليم عام في الوقت مناسب.
لم يكن القرار سهل و لكن بعد تكرار الفشل مع المدارس الحكومية والخاصة شعرت بالياس.
اذكر ما حصل لي في نهاية العام الدراسي بعد دفع كامل الرسوم و مضي سنة كاملة من المدح بابني. ولكن قالو لي لاحقا “خذي ابنك لا تناسبه مدرستنا لديه توحد” فلم أرى غير ذلك كحل محتمل. بدأت رحلتنا مع المراكز و كانت الصدمة الكبرى خلال نقاش تفاصيل خطة ابني و مدى تطور حالته مع احدى “المختصات” خلال الحديث و بشكل عفوي و رغماً عنها اتضح لي أن أحد الأساليب المتبعة لتعديل سلوك ابني و الحد من نشاطه هو اللجوء إلى ربطه بعدة أحزمة بحيث يثّبت في مقعد مخصص لذلك الغرض و قد اتبعوا تلك الطريقة دون اخذ الاخصائي اذن من والديه. لست متخصصة و لا أزعم العلم المطلق و لكنني أعرف بشكل قاطع و دون شك أن هناك طرق عديدة و أساليب كثيرة ينبغي أن تطبق قبل اللجوء إلى مثل هذه الأساليب و أن السبب الوحيد المقنع لتثبيت شخص و ربطه بحزام أو غيره هو عدم قدرته الجسدية على الجلوس دون مساعدة.
بعدها، رأيت انه قد يكون التعليم الأجنبي أنسب له لأنه للأسف الكثير من الدول الغربية توفر منشآت و برامج مختلفة تحترم الافراد و تعي أن لكل شخص قدرات معينه و أن هناك اختلافات في الذكاء
. و كانت تجربتنا مع المدارس الأجنبية في نفس فترة حدوث التفجيرات في مدينة الرياض و التي تسببت في رحيل الكوادر المميزة من بلدنا و التي لم تعوض بعضها حتى الآن، ففشلت التجربة التي استغرقت عام و نصف.
جلسنا أنا و زوجي نفكر ماذا نفعل و أين نذهب و كانت جلسة مصارحة مع أنفسنا لأننا خلال محاولاتنا العديدة لإيجاد المكان المناسب لابننا لم نلتفت لمشاعره وهو صاحب الشأن و كان علينا الاعتراف أنه قد يكون هو أنسب شخص لديه القدرة ليقرر مدى ملائمة المدرسة أو المركز أو عدم ملائمتها، و كنا نتجاهل رفضه التام لعدة أماكن بحجة أن المكان جديد و لم يعتاد عليه أو أن المطلوب منه يتطلب جهد و هو لا يريد أن يبذل مجهود فهي مسألة وقت .. و لكن! ألا يعقل أن يكون للطفل احساس بالفطرة يساعده على الشعور عن مدى ملائمة البيئة المحيطة به . قرر ابني بانه لن يذهب للمدرسة مطلقا. كان القرار الأصعب أن لا يلتحق بأي مدرسة أو مركز و أن نركز على النواحي النفسية كخطوة أولى و نحاول أن نعالج القصور العاطفي و السلوكيات التي تسبب فيها كل من حوله بما فيه نحن والديه. حاولنا خلال تلك الفترة إيجاد المدرسين المناسبين له في المنزل .
في احدى الندوات، و كان محورها صعوبات التعلم، سألت أحد الأطباء المتحدثين عن تجربة ابني مع المركز الخاص و عن اسلوب التثبيت في الكرسي لأنني بدأت مرة أخرى أن أتسائل من المخطئ و هل كان ينبغي لي أن أترك “للمختصين” حرية التصرف بغض النظر عن نفسية ابني و قناعاتي الشخصية، فكان رده بالنفي و أن ذلك غير مقبول فشعرت بزوال حمل الشعور بالذنب و القلق إلى حدٍ ما ،و لكن المفاجا في الامر أن مديرة احدى المدارس سمعت سؤالي و توجهت إلى في آخر الندوة و كانت المفاجأة. تعرفت عليها حينها و أدركت أننا التقينا عند محاولتي تسجيل ابنتي و ابني في مدرستهم في وقت سابق و قد تعذروا لي عن قبولهم حينها لعدم توفر الكوادر اللازمة و ان الأماكن محدودة، و لكن عند سماع الأستاذة الفاضلة مديرة المدرسة عن تجربة ابني لم تتمالك نفسها و لم تتردد و طلبت مني الحضور مرة أخرى لمناقشة امكانية تسجيل ابنائي في مدرستهم ولكن كانت الاوضاع لا تبشر ابدا.
أصبح طلال كتلة من الأعصاب يردد و يصرخ ” أنا كبير! أنا في المتوسط !” يبلغ من العمر 12 سنة و بدأت تطرأ عليه التغيرات المعتاد عليها في هذه السن. فأين هو الآن؟
أنا لا أعرف خطة المدرسة بالنسبة له ، ان كان سيتم بشكل فردي أو انه سيحدد على حسب مستوىالأطفال الطبيعي. هل سيتم النظر في مسالة تعلم المهارات الأساسية التي من شأنها مساعدة ابني على الاعتناء بنفسه. أنا لا أعلم لأنني لست على اتصال بمعلميه.
أقف بجانب حاجز لا أستطيع أن اتجاوزه حتى لو كان بإمكاني فعل ذلك لا أعلم ما الذي ساواجهه على الجانب الآخر.شعرت أن فرص ابني في التعلم بدات تتلاشى وحلمي في رؤية ابني يعمل في الحرف اليدوية الفنية. أنا لست قادرة على رؤية أي من ذلك.
ماذا يمكن أن أفعل؟ انا بحاجة للإجابات. لا أستطيع الاستمرار في تاليف القصص والأعذار والكذب كل وقت. هل يوجد أحد ه أريد جواب لأن أبني يسألني و لم أعد أجد قصص و أعذار و أكاذيب أجيب بها على مطالبهم فهل من مجيب؟