الدكتور / خالد بن عوض بازيد
هل حادثتم طفلا ثم وجدتم أنه لم يستوعب شيئا مما قلتم له، فما لبثتم أن قيمتموه بالغباء أو العته؟
و هل رأيتم طفلا آخر يمضي مسرعا ليعيد كرة في قارعة الطريق مكتظ بالسيارات، فخشيتم أن يكون قد فقد صوابه؟
على رسلكم،،
فالأمر ليس كما ظننتم. إن ما رأيتموه علامات تدل على ما يعرف بنقص الانتباه (ADHD) و المصحوب أحيانا بفرط النشاط والاندفاعية، و هو اضطراب عصبي نمائي (Neuro-developmental disorder)، تبلغ نسبته عالميا 3- 5% بين طلاب المدارس، و 30-40% منهم يعانون أيضا من صعوبات التعلم. إن 50% من الأطفال المراجعين لعيادات الأطفال النفسية يعانون من ADHD، كما يفوق انتشاره بين الذكور بنسبة 1:3 مقارنة بالإناث. أما في المملكة العربية السعودية فالدراسات محدودة جدا، و تحتاج إلى مزيد من البحث المقنن لتحديد معدل انتشار ADHD.
كيف يشخص ADHD؟
يتم تشخيص ADHD كلنيكيا (سريريا) من قبل الطبيب النفسي، أو طبيب الأطفال، أو الأخصائي النفسي المعالج، أو طبيب العائلة المتخصص، بالاستعانة أحيانا ببعض المقاييس كـBarkley Rating Scale أو Conner Rating Scale . مع أهمية ملاحظة الاضطرابات الأخرى المسببة لتشتت الذهن أوفرط الحركة، مثل الصرع البسيط(Petit Mal Epilepsy )، ضعف حاسة السمع الناتج عن التهاب الأذن الوسطى المتكرر، الربو الشعبي، اضطرابات الغدة الدرقية، السكر، صعوبات التعلم، اضطرابات القلق، التخلف العقلي، اضطراب التوحد، و الاضطرابات المزاجية أو السلوكية عند الأطفال و المراهقين. إن الأم، أو مربية الحضانة، أو معلم المراحل الابتدائية، أو أخصائيو النطق في كثير من الأحيان هم أول من يسترعي انتباههم ضعف تركيز الطفل و سهولة تشتته أو كثرة حركته في البيت أو المدرسة.
لعل سائلا يسأل، كيف لنا أن نتعرف على هذا الإضطراب؟
إنه يتميز بثلاث سمات رئيسية:
1. نقص الانتباه (Inattention) أو عدم التركيز أو ضعفه لفترات طويلة، سهولة تشتت الذهن بالمؤثرات المحيطة، كثرة أحلام اليقظة و السرحان و كثرة النسيان المتكرر مما يؤثر على مستواه العلمي بالرغم من سلامة الطفل عقليا.
2. فرط الحركة (Hyperactivity) الزائدة عن المعدل الطبيعي المصحوبة بنشاط دائم، يظهر في عدم استقراره في الفصل أو عدم انضباطه في الطابور المدرسي، التململ بسرعة أو كثرة جريه في البيت أو لعبه بصوت مرتفع.
3. الاندفاعية (Impulsivity) أوالتصرف دون تريث أو حساب لعواقب الأمور، مما قد يعرض الطفل إلى مواقف محرجة أو خطرة، كالجري خلف الكرة في الشارع المزدحم بالسيارات أو تسلق الأماكن المرتفعة.
وربما يؤدي شرود الذهن و كثرة الغفلة و الذهول عما يقوله المعلم إلى التدني في التحصيل الدراسي، و ضجرالمعلمين منه. ولعل بعض المعلمين لا يبالي إذا رأى مراهقا على هذه الشاكلة أن يتعرض للتوبيخ، و قد يتعرض للعقاب المتكرر أو يهدد بالفصل من المدرسة. و في المقابل فإن كثرة الحركة و النشاط المفرط تجعل الطفل طائشا شرسا فلا يألفه أحد من زملائه بل ينفرون منه دائما إذ إنه ينازع أصدقاءه في كل صغيرة و كبيرة، و قد يعيره ببعضهم بالطفل المشاغب. كماأن الاندفاعية خاصة في سن المراهقة قد تفضي إلى انحرافه سلوكيا و جنوحه عن جادة الطريق، و لا عجب أن تسهم في تعاطيه للمسكرات والمخدرات و لا سيما المنبهات.
أسبابADHD :
يعزوا كثير من الباحثين أسباب اضطراب الـ ADHD إلى عوامل بيولوجية و نفسية و إجتماعية، فلقد أظهرت بعض الدراسات أن 25% من والدي هؤلاء الأطفال كانوا يعانون من ADHD في طفولتهم كما إن نسبة توريثه قد تزيد عن 60% في كثير من الحالات. و في دراسات أخرى لوحظ انخفاض في النشاط المخي، خصوصا الفص الأمامي أو تلف بعض خلايا المخ نتيجة نقص الأكسجين بسبب تعسر الولادة. كذلك فإن الإكثار من تناول السكريات قد يؤدي إلى النشاط الزائد و ليس بالضرورة كونه سببا مباشرا لفرط الحركة. كما أن تفكك الأسرة واضطرابها أو كثرة الأبناء مع سوء التربية أو ضعفها قد يسهم في الإصابة به.
علاج ADHD :
-
العلاج السلوكي المعرفي حيث يهدف هذا النوع من العلاج إلى إعانة الطفل على تقوية التركيز، و تقليل التشتت الذهني، و تعديل السلوك الاندفاعي من خلال النظام و التدريب و الوضوح و التدعيم.
مثال: يضع المربي جدولاً مقسمًا حسب أيام الاسبوع إلى خانات أمام كل يوم، حيث يعلم في هذه الخانات بإشارة أو نقطة لكل عمل إيجابي يقوم به الطفل، كإنهائه الواجب المدرسي أو جلوسه بشكل هادئ أو مشاركته لأقرانه في اللعب بلا مشاكل، ثم تجمع النقاط في نهاية الأسبوع، فإذا بلغت النسبة المتفق عليها مع الطفل يكافأ عليها مكافأة رمزية أو معنوية. كما يمكننا إضافة النقاط السلبية التي تسجل في نفس الجدول عن أي سلوك سلبي يقوم به، وكل نقطة سلبية تزيل واحدة إيجابية، وبالتالي تجمع النقاط السلبية ويحاسب عليها. § الإرشاد النفسي التربوي للوالدين و المعلمين و المرشدين الطلابيين في كيفية التعامل مع الطفل المبتلى بـADHD في البيت أو المدرسة.
-
توفير المناخ التعليمي الخاص للحالات الشديدة، و إعانتهم في تحصيلهم العلمي.
-
تدريبهم على المهارات الاجتماعية (Social Skills) المفقودة.
-
العقاقير الطبية قد يحتاج بعض المعانين – بالاضافة إلى ما سبق- إلى الدواء بمثابة نظارة النظر:
1. المنبهات(stimulants) وهي من أشهرها و أكفئها مثل Ritalinو Concerta , حيث تعمل على تنشيط مراكز التنبه و الحد من الحركة الفرطة، مما يعين الطفل على التركيز و الانضباط و القيام بواجباته.
2. Stratteraيعمل قريبا من سابقه، و لكن لفترات أطول مع مضاعفات جانبية بالجملة أقل.
3. مضادات الإكتئاب كـ Wellbutrin ,TCA حيث تساعد في تحسين المزاج و رفع معنويات المصاب بنقص الأنتباه و فرط الحركة، و تقوية تركيزه، و التي بدورها تسهم في تحسين الأداء العام.
4. Clonidine حيث يساعد على تخفيف الاندفاعية و الحركة المفرطة.
مراجع إضافية
1. سلسة تربوية تصدر عن مركز التفكير الابداعي – قواعد و فنون التعامل مع الأطفال – لمحمد ديماس.
2. سلسلة المشكلات السلوكية للأطفال – مكتبة العبيكان.
3. سلسلة مشاكل الصحة النفسية للأطفال و علاجها للدكتور ملاك جرجس – دار اللواء للنشر و التوزيع -الرياض.
4. أطفالنا .. سلسلة سفير التربوية – إنتاج وحدة ثقافة الطفل بشركة سفير.
5. خمس خطوات لتغيير سلوك أطفالك – عادل رشاد غنيم .