من المعروف أن الأطفال الذين يعانون من فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) في كثير من الأحيان يصاحبه صعوبات في التعلم مثل المشاكل التي تؤثر على تعليمهم القراءة والكتابة (عسر القراءة) أو الأرقام والرياضيات (عسر الحساب).
وهناك مرحلة أخرى في نمو الأطفال التي قد يظهر فيها خلل مقارنة بأقرانهم أصحاب معدلات النمو الطبيعية وهي من ناحية الكلام وتطور اللغة. وقد أشارت الدراسات مؤخراً أن الأطفال الذين يعانون من صعوبات في الصياغة واضطرابات الصوت، الذين لم يتم تشخيصها وعلاجها في وقت مبكر، قد تواجه صعوبات أكاديمية واجتماعية ونفسية. وأحد هذه الاضطرابات اضطراب صوت الكلام (SSD) وهو اضطراب اللغة التعبيرية والذي يعتبر منتشرا بين الأطفال الذين يعانون من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.
وفقاً للجمعية الأمريكية للسمع والنطق واللغة (ASHA) رغم أن معظم الأطفال يرتكبون بعضا من الأخطاء من خلال تعلمهم لنطق كلمات جديدة، يحدث اضطراب صوت الكلام عندما تتجاوز حدوث الأخطاء سنا معينا، ولكل صوت مجموعة محددة من الأعمار عند الأطفال والذي بموجبه نطق الصوت بشكل صحيح. وتشمل اضطرابات صوت الكلام مشاكل في التلفظ (إصدار الأصوات) والعمليات الفونولوجية (أنماط الأصوات).
وفي دراسة حديثة أجرتها رؤى الحريري في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، المملكة العربية السعودية، للتعرف على كل من اضطراب الصياغة والاضطرابات الفونولوجية – بين الأطفال الناطقين بالعربية الذين يعانون من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه – تم قياس تأثير اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه على أصوات الكلام، من خلال اكتشاف الأنواع الشائعة من اضطرابات الصوت في اللغة العربية عند الأطفال الذين يعانون من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه مقارنة بالأنواع الشائعة عند الأطفال أصحاب معدلات النمو الطبيعي.
وفقاً للحريري، معظم الدراسات السابقة حول العلاقة بين اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه والاضطرابات اللغوية أجريت فيما يتعلق باللغة الإنكليزية. ومن خلال هذه الدراسة، إنها تهدف لملء هذه الفجوة من خلال اكتشاف اضطراب صوت الكلام العربي (SSD) بين الأطفال الذين يعانون من أعراض فرط الحركة وتشتت الانتباه، ومن ثَمّ الإجابة على الأسئلة التالية: 1-هل يحصل الأطفال الذين يعانون من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه على الحروف الساكنة العربية في نفس الطريقة وفي نفس مراحل نمو الأطفال أصحاب معدلات النمو الطبيعي؟ 2- إلى أي مدى تختلف – وإلى أي مدى تتشابه – الأخطاء التعبيرية والعمليات الفونولوجية بين مجموعتي ذوي اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه وذوي معدلات النمو الطبيعي؟ 3- تحديد العلاقة بين اضطراب صوت الكلام وأحد الأنواع الثلاث من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.
وعينة الأطفال ذوي اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ضمت 10 أطفالاً تتراوح أعمارهم بين 5-7 سنوات، منهم ثمانية فتيان وفتاتين من جنسيات عربية مختلفة (5 مصريين و1 أردني و3 سعوديين و1 يمني)، وجميعهم أحيلوا إلى معهد للنطق والسماع لتقييم تعبيرهم ومعالجة النطق.
من الأطفال العشرة المصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه خمسة منهم يعانون من النوع المشترك لاضطراب فرط الحركة وتشتت لانتباه (ADHD-C) واثنان يعانون من نوع التسرع/مفرط (ADHD-HI) وثلاث منهم يعاني من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في الغفلة السائدة (ADHD-PI) بالإضافة إلى ذلك، 8 من 10 من المصابين بالاضطراب كانوا يتناولون العلاج وذلك قبل وأثناء إجراء الدراسة.
على الرغم من أن المشاركين تحدثوا العامية في العربية في لهجات مختلفة، فاللغة المستخدمة في اختبار التعبير هي المحكية العربية (ESA) وهي النوع التي تدرس في المدارس. وهذا الاختبار يشمل ثمان وثلاثين صورة في كتاب والتي تمثل خمسين كلمة التي تتضمن جميع الحروف الساكنة العربية (وعددها ثمان وعشرين حرفا) والتي تحدث في كل المخارج الثلاثة الرئيسية (الأولي والوسطي والأخير).
ومن بين النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة أفيد أن الأطفال الذين يعانون من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يواجهون صعوبات في النطق لمعظم الحروف الساكنة العربية، وتنتج ما يقارب من ثلاثة أضعاف في عدد الأخطاء الصوتية لدى أقرانهم من ذوي معدلات النمو الطبيعي. ولوحظ في كثير من الأحيان أن الحرف الحنجري [أي الهمزة] كان يُنطق ويُستخدم كبديل لمعظم الأصوات الصعبة.
وتشمل الأخطاء الشائعة الأخرى: عدم اكتمال نطق الحروف بشكل كامل (devoiced)، تخفيف نطق الحروف (de-emphasized)، استبدال الحروف بحروف ذات مخارج متشابهة (de-affricated)، إسقاط الحروف (deleted)، عدم لفظ الحروف الأنفية (de-nasalized)، إضافة حروف زائدة (inserted)، استبدال الحروف (substituted)، تقديم مخارج الحروف (fronted)، ترجيع مخارج الحروف (backed)، أو التوقف (stopped). من الاكتشافات المهمة أن مراحل تطور الأطفال الذين يعانون من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في اكتسابهم الحروف الساكنة العربية مختلفة عن الأطفال ذوي معدلات النمو الطبيعي. كما أكدت الدراسة أن جميع الأنواع الثلاثة من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يمكن أن تؤثر على وضوح الكلام عند الطفل.
وفي الختام تحرص الدراسة بأهمية التدخل المبكر لهذه العوائق وإعطائها الأولوية. وبسبب الاعتلال المشترك بين اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه واضطراب صوت الكلام، يجب على اخصائي أمراض النطق واللغة واخصائي السمع أن يكون على بينة من آخر المستجدات في مجال اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ليتعامل بأكثر فعالية مع حالات اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.
ويؤكد المؤلف أيضاً، لكي يتلقى الطفل الذي يعاني من مشاكل في الوضوح في النطق (مثل المصاب باضطراب فرط حركة وتشتت انتباه) العلاج المناسب لاضطراب صوت الكلام في عيادة أو مركز متخصص، يجب أن يتم مقارنته مع الأطفال الذين يتكلمون لهجات مشابهة. ولذا، تم تضمين الأطفال من ذات الخلفية والعمر المتقاربة في هذه الدراسة ليتكمن عمل المقارنة السليمة بين المجموعتين من الأطفال (فرط الحركة وتشتت انتباه وذوي معدلات النمو الطبيعي) من حيث اكتسابهم الحروف الساكنة العربية.
الترجمة: فيصل حسين العذل