تخطى إلى المحتوى

كيف أدعم طفلي بعد التشخيص بفرط الحركة وتشتت الانتباه

يعتبر اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه أحد اضطرابات النمو العصبي، ويؤثر بشكل ملحوظ على تركيز وسلوك الشخص. تظهر علاماته على الأطفال على شكل صعوبات في التركيز والانتباه وفرط الحركة والسلوكيات الاندفاعية. وقد تؤثر هذه الأعراض على جوانب مختلفة من حياة الطفل، بدءاً من الصعوبات في المنزل، والعلاقات الاجتماعية إلى الصعوبات الأكاديمية والتعليمية.

تتباين ردود فعل العائلات بعد سماعهم لتشخيص فرط الحركة وتشتت الانتباه عند أطفالهم للمرة الأولى، وقد يكون وقعه مربكاً لهم ولأطفالهم. والأكيد أنها لحظة فارقة بالنسبة لهم مؤذنة ببداية رحلةٍ جديدةٍ مليئةٍ بالتحديات والحلول والنمو المشترك. ويكاد يكون التساؤل الشائع بين العائلات هو: بعد أن عرفنا التشخيص الآن، كيف ندعم أطفالنا؟ وهو تساؤل مهم، لأن دعم طفلك بشكل فعَّال أمر أساسي لتحقيق أفضل النتائج على كل الأصعدة وعلى نموه ورفاهيته، هو وبقية أفراد العائلة. هناك العديد من الاستراتيجيات التي تساعدك في تقديم الدعم الأفضل لطفلك، نستكشف بعضها في هذا المقال.

اعرف أكثر عن فرط الحركة وتشتت الانتباه

إن أول خطوة يمكن أخذها هي أن تعرف أكثر عن فرط الحركة وتشتت الانتباه. ستفيدك هذه المعلومات في فهم كيف يتأثر سلوك طفلك بهذا التشخيص، بعدها يمكنك التركيز على السلوكيات والتحديات الأخرى وكيفية حلها. من المهم الاعتماد على مصادر موثوقة في أخذ معلوماتك، مثل موقع وزارة الصحة، وموقع جمعية إشراق وموسوعة الملك عبد الله بن عبد العزيز للمحتوى الصحي. تتميز هذه المصادر بأن معلوماتها محدثة ومراجعة من قبل مختصين مما يساعدك على تجنب المعلومات أو النصائح المغلوطة حول الحالة. يظن البعض أن الاشكالات الناتجة عن فرط الحركة وتشتت الانتباه ماهي إلا “سلوكيات سيئة”، لكن الحقيقة أن طفلك لا يقوم بها متعمداً، فهو لا يستطيع التحكم بها، وهي بالطبع ليست نتيجة سوء تربية أو عدم اهتمام من قبل الوالدين. بعد الوصول للتشخيص، ناقش تفاصيل الخطة العلاجية مع الفريق الطبي، والتي قد تشمل على عدد من التدخلات الدوائية وغير الدوائية، وقد تتضمن التعاون مع فريق متعدد التخصصات.

كيف تقدم الدعم لطفلك في المنزل؟

إن كل طفل متفرد ومتميز عن الآخرين، والدعم الذي يقدم لهم يجب أن يكون فريداً أيضاً. تتطلب بعض مظاهر فرط الحركة وتشتت الانتباه رعاية متخصصة أكثر من قبل الفريق المعالج، ومن المهم مناقشة ما يمكنك تقديمه لطفلك في المنزل مع المختصين، لكن هناك العديد من الاستراتيجيات التي قد تساعدكم في المنزل، منها مثلاً:

ابقوا إيجابيين: حاولوا التركيز في هذه الرحلة على الأمور الإيجابية، مثل نقاط القوة، التحسن البسيط المستمر، والتركيز بشكل أقل على نقاط الضعف أو العوائق والتحديات التي تواجهكم. من المهم أن تظهر هذه الجوانب الإيجابية حتى في التواصل مع طفلك. أعطه وقتاً ومجالاً أكثر للاستماع، وفهم ما يمر به سواءً في المنزل، أو المدرسة أو مع أقرانه. ركزوا في التواصل على نقاط القوة عندهم، واستغلوا بعض ظواهر فرط الحركة بشكل أفضل، مثلاً: أشركوا الطفل كثير الحركة في أنشطة جسدية متنوعة مثل ممارسة الرياضة وتعلم المهارات الحركية. يجد بعض الأهالي أن أداء أطفالهم في مثل هذه الأنشطة رائع، وتساعد في تحسين صحتهم بشكل عام وفي ثقتهم بأنفسهم.
المحافظة على الروتين والتنظيم اليومي: هناك فرص أفضل لتحسن الأطفال المشخصين بفرط الحركة وتشتت الانتباه في البيئات التي تحافظ على الروتين والتنظيم. كلما أوجدتم تنظيماً عاماً سهل التوقع لجدول وأنشطة الأسرة والطفل، كل ما كان الحفاظ عليه أسهل. يشمل ذلك وجود أوقات واضحة للوجبات، والنوم والاستيقاظ، والنشاط البدني والأنشطة خارج المنزل، ووقتا للعب معهم والمشاركة العائلية. يتأثر بعض الأطفال سلباً من عدم وجود نظام أو روتين واضح من حولهم، ويجدون صعوبة في التعامل مع الأحداث والأنشطة بشكل سليم إذا لم يُهيئوا لها مسبقاً. تحدث مع طفلك مسبقاً عن خطط اليوم وماذا تتوقعون منه. يستفيد البعض من تمثيل بعض المواقف مع الطفل قبل المناسبات الاجتماعية حتى يكونوا جاهزين لها.
تعزيز العادات الصحية: يلاحظ الأهالي أن أعراض أطفالهم قد تزداد سوءاً عندما لا يكون نومهم منتظماً، وأنهم يتحسنون بشكل أفضل وأسرع كلما كان وقت النوم محدداً وواضحاً، واستطاع الطفل أن يأخذ كفايته من النوم. والأمر نفسه ينطبق على العادات الصحية الأخرى، كالنشاط البدني والتمارين الحركية، إذ أنها من ضمن التوصيات التي تساعد على تخفيف الأعراض والتحديات الأخرى المصاحبة لفرط الحركة وتشتت الانتباه، كما تلعب التغذية السليمة دوراً هاماً في الصحة العامة للأطفال ولها جوانب إيجابية كثيرة على نموهم وصحتهم النفسية.
أعطهم تعليمات واضحة وبسيطة: احرصوا أثناء إعطاء التعليمات لأطفالكم على التواصل المباشر معهم، وتكلموا معهم بهدوء وروية. تواصلوا معهم بلغة واضحة، وقسموا المهام لهم بشكل مبسط بعيداً عن التعقيد. مثلاً عند الطلب منهم التجهيز للمدرسة، أعط الطفل مهام صغيرة من قبيل: “اغسل وجهك، وفرش أسنانك، ثم البس ملابسك”، وهكذا مع باقي المهام في يومهم. قد تحتاج إلى تغيير بعض الاستراتيجيات إذا كان تطبيقها صعباً على طفلك، وبالإمكان سؤال الطبيب أو المعالج المختص عنها.
كافئوهم عندما يحسنون التصرف: لا تنسوا مدحهم ومكافأتهم عندما يحسنون التصرف ويتبعون إرشاداتكم، مهما كانت بسيطة، لكن بدون المبالغة في الثناء حتى لا يُفقد أثره. حاول أن تمدح طفلك وتكافؤه في اللحظة التي يحسن التصرف فيها، ووضح له الأسباب حتى يتعزز السلوك الإيجابي.
ضعوا حدوداً واضحة: كونوا واضحين وجادين فيما يتعلق بأي سلوكيات غير مقبولة، مثل العنف. ضعوا عواقب واضحة أيضاً لمثل هذه السلوكيات، واحرصوا على تطبيقها، وفي نفس الوقت حاولوا الحفاظ على هدوئكم حتى لا تتفاقم المشكلة.
ساعدوهم على التنظيم: بالإمكان مساعدة طفلك باستخدام الجداول، التوضيحات المرسومة والملاحظات اللاصقة (على الأبواب أو مكتب الدراسة مثلاً)، منبهات الجوال وغيرها. أعطوا أطفالكم الفرصة لتجربة مثل هذه الوسائل وغيرها بأنفسهم حتى يتعلموا مهارة التنظيم.

دعم طفلك في المدرسة

يواجه الأطفال المشخصون بفرط الحركة وتشتت الانتباه تحديات متعددة داخل المدرسة والفصل. فمن ناحية قد تعيق مشاكل الانتباه تحصيلهم الدراسي وقدرتهم على تحقيق أفضل النتائج بحسب قدراتهم. ومن ناحية أخرى قد تعيق مشاكل الانتباه فرط النشاط والاندفاعية قدرتهم على التأقلم في الفصل والبقاء فيه بهدوء، وتكوين الصداقات وتنمية مهاراتهم الاجتماعية. قد تظهر الأعراض في المدرسة بشكل مختلف عن المنزل، لذلك يهتم المختصين بمعرفة انطباع المعلمين والمعلمات عن الطفل والتحديات في بيئة المدرسة. عادةً ما تُوفر لهؤلاء الأطفال خطط تعليمية مخصصة، تأخذ بعين الاعتبار المهارات والتحديات الي قد تواجههم. من المهم التواصل مع المدرسة لمعرفة ما يمكن تقديمه، وكيف يمكن أن تعمل الأسرة والمدرسة معاً لتحقيق أفضل النتائج. يمكن للأسرة والمدرسة والفريق الطبي العمل معاً لعلاج الكثير من السلوكيات المعيقة في بيئة المدرسة أيضاً، يحتاج الكثير من الأطفال عادةً إلى دعم إضافي لهم في أثناء الحصص وفي عمل الامتحانات، مثل: تقليل المشتتات، تغيير مقاعدهم، الاعتماد على طرق تقييم مناسبة أكثر وإعطائهم مزيداً من الوقت للواجبات وكتابة الاختبارات. كما يحتاج بعض الطلبة إلى تقييم لاضطرابات التعلم، مثل عسر القراءة والكتابة وصعوبات الرياضيات، وتساعد هذه الاختبارات أيضاً في تصميم خطة تعليمية أكثر فعالية وتوفر لهم الدعم الذي يحتاجونه في بيئة المدرسة.

معرفة حقوق طفلك

أثناء هذه الرحلة مع طفلك، من المهم معرفة حقوقه المختلفة التي كفلتها الأنظمة. يحق لطفلك الحصول على الخدمات الصحية من تشخيص وتقييم وتدخلات علاجية مناسبة، كما يحق له الحصول على الدعم التعليمي والتأهيلي المناسب. بالإمكان معرفة هذه الحقوق بالاطلاع على لوائح الجهات والجمعيات المعنية، كما تقدم هيئة ذوي الإعاقة الكثير من المعلومات المهمة في هذا السياق. بإمكانك استشارة المختصين المختلفين والذين قد يكونوا على اطلاع ببعض تفاصيل الدعم الذي يجب أن يقدم لطفلك.

الاهتمام بنفسك وبعافيتك

قد يكون لتشخيص طفلك باضطراب نمائي مثل فرط الحركة وتشتت الانتباه بالغ الأثر على حياة الأسرة. يمر والديّ هؤلاء الأطفال بصعوبات متعددة، وبسبب كثرة المتطلبات والتدخلات، قد يشعر الكثير منهم بالضغط والإرهاق. من المهم أن يتخذ الوالدان ومقدمي الرعاية بعض الخطوات للاهتمام بأنفسهم وتخفيف الضغط الناتج عن هذه الرحلة. إن قدرتك على توفير الدعم المناسب لطفلك مرتبطة بقدرتك على رعاية نفسك والاهتمام بها. تجد الكثير من الأسر في هذه الرحلة فرصة للتقارب والتعبير وتقديم الدعم لبعضهم البعض. وبإمكانك البحث عن مجموعة دعم لذوي المشخصين بفرط الحركة وتشتت الانتباه، حيث يشارك فيها الأهالي تجاربهم ويقدمون لبعضهم الدعم والنصح الذي يعينهم على الصعوبات التي يواجهونها. قد يحتاج البعض لمساعدة من أشخاص أكثر تخصصاً، استشر طبيبك أو مختصاً لمعرفة ما إذا كانت هناك حاجة لدعم إضافي منهم.

خاتمة

تذكر بأنك لست وحدك في هذه الرحلة، وهي فرصة للقرب من طفلك وتوفير الدعم له بشكل أفضل. من خلال فهم اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، وتحسين البيئة المنزلية، والتعاون مع المدرسة لتقديم الدعم الأكاديمي والاعتناء بنفسك والحصول على الدعم المناسب، يمكنك مساعدة طفلك على تجاوز العديد من الصعوبات والازدهار في نواحي متعددة من حياته.

د. عقيل الخيري

استشاري مساعد ، الطب النفسي للأطفال والمراهقين